الأدب في العصر الجاهلي
الصَّف الأول - الفصل الدراسي الأول - قراءة - أسس النجاح في الحياة
نموذج لقطعة نحويَّة مُجاب عنها - الصَّف الثالث
نموذج لقطعة نحويَّة مُجاب عنها - الصَّف الثالث
العام الدراسي 2020 / 2021
مُذَكَّرة رقم 9 لمنهج التربية الدينيَّة الإسلاميَّة للصَّف الثالث
مُذَكَّرة رقم 9 لمنهج التربية الدينيَّة الإسلاميَّة للصَّف الثالث
نموذج امتحان دبلوم المدارس الثانوية الفنية الصناعية 2021 - جمهورية السودان
نموذج امتحان دبلوم المدارس الثانوية الفنية الصناعية 2021 - جمهورية السودان
المُرفقات:
- رابط تحميل المَلَف: اضغط هُنا
مقال بعنوان: "زينب النفزاوية وتأسيس الغرب الإسلامي" للدكتور/ أحمد عبد الفتاح أبو هشيمة
زينب النفزاوية وتأسيس الغرب الإسلامي للدكتور أحمد عبد الفتاح أبو هشيمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا جدال في أن رُقيَّ المجتمعات الإنسانية دائمًا يقاس بمدى التقدير والاهتمام الذي تحظى به المرأة، وتناله قديمًا وحديثًا، أضف إلى ذلك منْحَها كاملَ حقوقها السياسية والاجتماعية، علمًا بأن المرأة هي الشريكة الأولى للرجل وساعِدُه الأيمن في تحمُّل أعباء الحياة كافة، ولا ننسى أنها الزوجة التي تدبِّر شؤون الأسرة، بل تعتبر النواة الأولى في قيام المجتمعات البشرية، وهي الأم المسؤولة قبل غيرها عن تنشئة أبنائها.
ومن هذا المنطلق جاءت فكرة هذا المقال ليلقي الضوء من جديد على هذه المرأة الأمازيغية "زينب النفزاوية" التي عُدَّت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة على حد تعبير المؤرخ ابن خلدون (ت 808هـ)؛ حيث لعبت دورًا كبيرًا في إرساء وتثبيت دعائم دولة المرابطين بالمغرب الإسلاميِّ، وكان لها الفضل المشهود والأثر المحمود في كتابات العديد من مؤرخي عصرها، وهذا ما سنفصله في إيجاز؛ (العبر 6 /244).
♦ النشأة والأصل:
هي زينب بنت إسحاق النفزاوية، اسمها باللغة الأمازيغية (زينب تانفزاوة) من قبيلة نفزاوة، من بربر الأمازيغ القاطنة بطرابلس الغرب، وقد بدأ بزوغ نجم هذه المرأة حينما تزوَّجت الأمير المرابطيَّ أبا بكر بن عمر اللمتوني (المتوفى عام 480هـ/ 1087م)، أما قبل ذلك، فلم تذكرها المصادر التاريخية المعاصرة إلا بشكل مقتضب للغاية، أثناء الحروب التي خاضها المرابطون في منطقة السوس بالمغرب الأقصى، واتفق أغلب المؤرخين على أنها كانت ابنة تاجرٍ كبير من تجار مدينة القيروان - وهو إسحاق الهواري، الذي ينتمي إلى قبيلة هوارة الأمازيغية - التي اعتبرت آنذاك من أهم الحواضر الثقافية في العالم الإسلامي.
واللافت للانتباه والمثير للجدل وجودُ بعض الروايات التي زعمت أنها ابنة لرجل من الصيادلة بالقيروان، وقد ثبَت ضَعف هذه الأقاويل؛ نظرًا لأنها انتقلت في بادئ عمرها ومقتبل حياتها إلى العيش بمدينة أغمات؛ حيث كانت العاصمة الأولى لدولة المرابطين، وهذه المدينة لها من الشهرة والصيت الكثير، خاصة أنها تقع في مفترق الطرق التجارية، أضف إلى ذلك أن هذه المدينة بما لها من شهرة واسعة أسهمت بشكل كبير في ثراء والدها الذي امتهن التجارة، وهذا هو الأمر المؤكد لدينا، الذي كان له بالغ الأثر في تكوين شخصيتها، خاصة إذا علمنا أنها نشأت وترعرعت في بيئة ثرية متحضرة.
انتقالها إلى أغمات وزواجها:
هاجرت زينب من (نفزاوة) التي كانت تحت إمرة بني زيري، الذين ثاروا على الخلفاء الفاطميين، وخاصة بعد انتقال عاصمة ملكهم إلى القاهرة؛ حيث انتقلت زينب إلى مدينة أغمات بصحبة والدها التاجر؛ وذلك فرارًا من همجية بني هلال، الذين تَمَّ طردهم من صعيد مصر إبان الحكم الفاطمي عقابًا لهم على نكاياتهم بالمسلمين، ومن ناحية أخرى عمدت الخلافة الفاطمية بمصر في الوقت نفسه إلى استخدام هؤلاء دروعًا بشرية في مواجهة بني زيري المتمرِّدين عليهم في إفريقية، فاستعانوا ببني سليم، واستطاعوا هزيمة أمير إفريقية، وخربوا القيروان حتى سقطت تحت وطأتهم سنة 1057م، فهاجر من نجا من أهلها إلى المدن المجاورة؛ رحمة بهؤلاء المستضعَفين وبأبنائهم من وطنهم الجريح، وهكذا انتقلت زينب إلى أغمات هذه الحاضرة المتحضرة لتستوطنها مع أبيها، فبقِيت أغمات مسكنًا لها حتى شُيِّدت مدينة مراكش في عام (464هـ/ 1072م).
وتعد زينب من النساء اللاتي ذاع صيتها وشاع ذكرها بإفريقية بين القبائل، وخاصة المصامدة وغيرها، لدرجة أن شيوخ ورؤساء هذه القبائل تنافسوا وتبارزوا على الزواج منها؛ نظرًا لما تمتَّعت به من جمال وحُسن فائق الوصف على حد تعبير مؤرخي عصرها، ولكنها كانت ترفض الزواج في بادئ الأمر، خاصة أنها كانت ترى نفسها في مكانة لا يضاهيها فيها أحد، ومما يفسِّر رفضَها إصرارها على تزوُّجها ممن يحكم بلاد المغرب بأسْرها.
وعندما تكرر رفضها الزواجَ عدة مرات، دفع هذا الأمر البعض إلى وصفها بالكهانة، ومنهم من رماها بالحمق، خاصة بعد الادعاء الذي أثير بشأنها، وأنها لن تتزوج إلا مَن يحكم المغرب بأسره، في حين وجد آخرون هذا الأمر فرصة للنيل منها من خلال تنبُّئها بالمستقبل، وقالوا: إنها على صلة بالجن والغيبيات التي هي من أعمال السحر والشعوذة، ولكن إذا أمعنا النظر في كل ما قيل بحقها، فسنجد أن كل ذلك نابعٌ من الحقد الذي تركته في نفوس نساء عصرها، ولن نجد ردًّا على هذه الافتراءات أبلغ من قول الشاعر المتنبي:
وإذا أتَتْكَ مَذَمَّتي من نَاقِصٍ ♦♦♦ فَهي الشهادَةُ لي بأني كامِلُ
وفي هذا السياق نفسِه لا يمكن أن نغفل جانبًا مهمًّا، وهو أن المغرب بأكمله افترقت فيه الكلمةُ، ومن الصعوبة بمكان أن تتحقق الوحدة في رجل تتزوَّجه زينبُ على حد زعمها، وخاصة بعد كل هذه الاضطرابات والقلاقل الداخلية التي عمَّت أرجاء الشمال الإفريقيِّ.
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن زواجها، فسنجد أن المؤرخ ابن خلدون (المتوفى عام 808هـ) يسوق لنا في هذا الصدد رواية مفادُها أنها تزوجت من الأمير لقوط بن يوسف المغراوي صاحب أغمات، بل يشير أيضًا أنها تزوجت قبله يوسف بن علي بن عبدالرحمن بن وطاس، وكان هذا الرجل شيخًا على وريكة، وهي زوجة هيلانة في دولة أمغازن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ، وتغلب بنو يفرن على وريكة، وملكوا أغمات، فتزوجها من بعده الأمير لقوط؛ (العبر 6/ 244).
ومما تجدر الإشارة إليه أن المصادر التي تعرضت لتلك الحقبة، لم تقف على ترجمة لأسماء أمراء أغمات آخر دولة بني زيري بفاس على حد تعبير ابن خلدون، إلا أن هناك إشارات يسيرة حول الأمير لقوط بن يوسف المغراوي؛ نظرًا لأنه كان آخر ملوك أغمات الذي هزمه المرابطون واستولوا على ملكه عام (449هـ / 1017م)، وقد ظل متخفيًا إلى أن فرَّ هاربًا عن المدينة في الليل الدامس إلى مدينة تادلا عام (451هـ/ 1019م)، تاركًا خلفه زوجته زينب النفزاوية وحيدةً بمفردها؛ (العبر 7/ 62).
زواجها من أبي بكر بن عمر اللمتوني:
وبعد استيلاء اللمتونيين على مدينة أغمات، تزوجت زينب النفزاوية من أميرهم وقائدهم آنذاك، وهو أبو بكر بن عمر اللمتوني الذي عدَّه البعض فاتح إفريقيا وحامل النور للغرب الإسلامي، فقد كان شغله الشاغل هو محاربة البدع والوثنية المنتشرة في أوساط القبائل الإفريقية، ونشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيح، وعندما بلغه الصراعُ الذي نشب بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء، وهو لم يستتم فتح بلاد المغرب بعدُ، دفعه هذا الأمر إلى ترك زوجته زينب النفزاوية عام (453هـ /1021م)، والتوجه إلى الصحراء؛ خشية افتراق كلمة القبائل هنالك وارتدادهم عن الإسلام، ورغبةً منه في محاربة الوثنية ونشر العقيدة الصحيحة، ففُتحت على يديه أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية؛ أهمها: (السودان، تشاد، النيجر، بوركينا فاسو، ساحل العاج، غينيا بيساو، سيراليون، مالي، غانا، توجو، الكاميرون، إفريقيا الوسطى، الجابون).
ويستدل على ذلك بما أورده ابن خلكان (المتوفى 681هـ) بقوله: "كان أبو بكر بن عمر رجلًا ساذجًا، خير الطباع، مؤثرًا لبلاده على بلاد المغرب، غير ميال إلى الرفاهية، وكانت ولاة المغرب من زناتة ضعفاء لم يُقاوموا الملثمين (المرابطين)، فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط، فلما حصلت البلاد لأبي بكر بن عمر المذكور، سمع أن عجوزًا في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة، فبكت وقالت: ضيَّعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب، فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب رجلًا من أصحابه اسمه يوسف بن تاشفين، ورجع إلى بلاده الجنوبية"؛ (وفَيَات الأعيان 7/ 113).
ولذا؛ فلم يستمر هذا الزواج سوى ثلاثة أشهر، فقد توجَّه أبو بكر اللمتونيُّ إلى الصحراء جنوبًا صوب بلاد السودان؛ إعلاءً لكلمة الله، ورغبة منه في اجتماع الكلمة بين القبائل، وعندئذٍ أسند أمر بلاد المغرب إلى ابن عمِّه الأمير المجاهد يوسف بن تاشفين، وذلك في عام (453هـ/1021م)، وتنازل له عن زوجته النفزاوية وزوَّجه إياها، وكان ذلك تطوعًا منه دون إكراهٍ، ورغبةً في مواصلة التفرغ للجهاد في سبيل الله.
وظهرت شخصية زينب النفزاوية جليًّا على الساحة السياسية، وتبوَّأت مكانة عظيمة لا تقارَن، وقد اتضح ذلك بقوة من خلال نصيحة أبي بكر لابن عمه يوسف بن تاشفين؛ حيث قال له: "تزوَّجها؛ فإنها امرأة مسعودة"؛ ليصبح ذلك دليلًا واعترافًا بقوة ومكانة هذه المرأة الأمازيغية، ثم يتدارك أبو بكر اللمتوني وفاءَها لشعارها وشموخها، فيقول لها: "فإذا انقضت عِدتك، فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين؛ فهو خليفتي على بلاد المغرب".
ويؤكد ذلك الناصري بقوله: "كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوَّج زينب بنت إسحاق النفزاوية، وكانت بارعة الجمال والحسن، وكانت مع ذلك حازمة لبيبة، ذات عقل رصين، ورأي متين، ومعرفة بإدارة الأمور، حتى إنه كان يقال لها: الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة، فأخبره باختلال أمر الصحراء ووقوع الخلاف بين أهلها، وكان الأمير أبو بكر رجلًا وَرِعًا، فعظُم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا وهو قادر على كفِّهم، ولم يرَ أنه في سَعة من ذلك وهو متولٍّ أمرَهم ومسؤولٌ عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء؛ ليصلح أمرها، ويقيم رسم الجهاد بها، ولما عزم على السفر، طلَّق امرأته زينب، وقال لها عند فراقه إياها: (يا زينب، إني ذاهب إلى الصحراء، وأنت امرأة جميلة لا طاقة لك على حرارتها، وإني مطلِّقك، فإذا انقضت عِدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين؛ فهو خليفتي على بلاد المغرب)، فطلَّقها، ثم سافر عن أغمات، وجعل طريقه على بلاد تادلا حتى أتى سجلماسة، فدخلها وأقام بها أيامًا حتى أصلح أحوالها، ثم سافر إلى الصحراء"؛ (الاستقصا 2/ 20-21).
زواجها من يوسف بن تاشفين:
أصبحت زينب النفزاوية زوجة لأمير المغرب بأكمله يوسف بن تاشفين، كما تمنَّت في بادئ أمرها، وفي الأيام الأولى كان يوسف بن تاشفين متخوفًا بعض الشيء، وكانت زينب تطمئنه، ويحلو لها أن تردِّد على مسامعه: "سأجعل منك سلطانًا كبيرًا يحكم المغرب بأكمله"، وظلت تحفزه على استكمال فتوحات سابقيه، وتثبيت دعائم أركان مملكة المرابطين، ويُستدل من الروايات التاريخية أنها كانت تُزوده بالمال لتحقيق ذلك، ويسجل التاريخ أن باتباعه لنصائحها قَوَّى يوسف ثروته وجيشه وشوكته، وتوغَّل في فتح مناطقَ جديدة.
وقد عظُم أمر يوسف بن تاشفين؛ حيث ارتفعت مكانته بين ملوك عصره؛ نظرًا لما تميَّز به من علو الهمة، واستفحل سلطانه بالمغرب، واستطاع أن يسيطر على أكثر البلاد، فلما سمع الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني بما آل إليه أمر يوسف بن تاشفين، وما منحه الله من النصر، أقبَل من الصحراء ليختبر أمره، ويقال: إنه كان مضمرًا لعزله وتولية غيره، فأحسَّ يوسف بذلك، فشاور زوجته زينب بنت إسحاق، فقالت له: (إن ابن عمك متورِّع عن سفك الدماء، فإذا لقيته فاترك ما كان يَعهده منك من الأدب والتواضع معه، وأظهِر أثر الترفع والاستبداد، حتى كأنك مساوٍ له، ثم لاطِفه مع ذلك بالهدايا من الأموال والخلع، وسائر طرف المغرب، واستكثِر من ذلك، فإنه بأرض صحراء، وكل ما جلب إليه من هنا، فهو مستطرف لديه).
تنازُل أبي بكر بن عمر اللمتوني عن الحكم:
يشير الناصري لاحتمالية وقوع الصدام بين الأميرين رغم صلة الدم ورابطة القرابة؛ حيث قال: "فلما قرُب أبو بكر بن عمر اللمتوني من أعمال المغرب، خرج إليه يوسف بن تاشفين، فلقيه على بعدٍ وسلَّم وهو راكب سلامًا مختصرًا، ولم ينزل له، ولا تأدَّب معه الأدب المعتاد، فنظر أبو بكر إلى كثرة جيوشه، فقال له: (يا يوسف، ما تصنع بهذه الجيوش؟)، قال: (أستعين بها على من خالفني)، فارتاب أبو بكر به، ثم نظر إلى ألف بعير قد أقبلت موقرة، فقال: (ما هذه الإبل الموقرة؟)، قال: (أيها الأمير، إني قد جئتك بكل ما معي من مال وأثاث وطعام وإدام؛ لتستعين به على بلاد الصحراء)، فازداد أبو بكر تعرفًا من حاله، وعلِم أنه لا يتخلى له عن الأمر، فقال له: (يا بن عم، انزل أوصيك)، فنزلا معًا وجلسَا، فقال أبو بكر: (إني قد ولَّيتُك هذا الأمر، وإني مسؤول عنه، فاتقِ الله في المسلمين، وأعتقني وأعتِق نفسك من النار، ولا تضيِّع من أمور رعيتك شيئًا؛ فإنك مسؤول عنه، والله يصلحك ويُمدك ويُوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك، وهو خليفتي عليك وعليهم)، ثم ودَّعه وانصرف إلى الصحراء، فأقام بها مواظبًا على الجهاد في كفار السودان، إلى أن استُشهد"؛ الناصري (الاستقصا 2/ 20-22).
ويؤكد هذا السياق ما قاله ابن خلدون عن علاقة أبي بكر بن عمر اللمتوني بابن عمه يوسف بن تاشفين؛ حيث قال: "حتى إذا ارتحل - (يقصد أبا بكر) - إلى الصحراء سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، واستعمل ابن عمه يوسف بن تاشفين على المغرب، نزل له عن زوجه زينبَ هذه، فكان لها رياسة أمره وسلطانه، وقد أشارت عليه عند مرجع أبي بكر من الصحراء في إظهار الاستبداد، حتى تجافى عن منازعته، وخلص ليوسف بن تاشفين ملكه"؛ (العبر 6/ 245).
حكمتها ورجاحة عقلها:
ونستخلص مما سبق أن هذه المرأة قد قادت زوجها بحسن تدبيرها ورجاحة عقلها إلى الاستبداد بملك المغرب، وذلك من خلال إشارتها عليه في أمر أبي بكر بن عمر اللمتوني، وكيفية ملاقاته عام 464هـ، وخاصة أن يوسف بن تاشفين قد صعب عليه مفارقة المُلك؛ لذا سارَع بمشاورة زوجته وعمِل على الأخذ برأيها؛ حتى يستبد بالأمر، فدانت له بلاد المغرب بأكملها من بجاية (الحدود الجزائرية) شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن السنغال جنوبًا حتى الأندلس شمالًا، وبذلك استطاع تكوين أكبر إمبراطورية مغربية شهِدها الشمال الإفريقي في التاريخ.
وقد أثنى معظم المؤرخين على دور زينب السياسيِّ والحضاري آنذاك، فوصَفت المصادر زواجها من أمير المرابطين ابن تاشفين بأنها "كانت عنوان سعده، والقائمة بمُلكه، والمدَبِّرة لأمره، والفاتِحة عليه بحُسن سياستها لأكثر بلاد المغرب"، على حدِّ تعبير الناصري في كتابه (الاستقصا 2/ 23)، وفي هذا الصدد قال المؤرخ ابن الأثير (المتوفى عام 630هـ): "كانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين"؛ (الكامل في التاريخ 8/ 531).
وأما زوجها أمير المسلمين، فقد أسهبت المصادر العربية والأجنبية في الثناء عليه، والاعترافِ بفضله وعدله، وخيرُ ما يستدل به ما جاء على لسان مؤلِّف أندلسيٍّ مجهول من القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث وصف أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قائلًا: "كان رجلًا فاضلًا خيِّرًا، فَطِنًا حاذقًا زاهدًا، يأكل من عمل يده، عزيز النفس، ينيب إلى الخير والصلاح، كثير الخوف من الله عز وجل، وكان أكبر عقابه الاعتقال الطويل، وكان يُفضل الفقهاء، ويعظِّم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها برأيهم، ويقضي على نفسه بفُتياهم"؛ (الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، ص81-82).
ومن المؤرخين الذين أثنوا عليه أيضًا ابن خلكان بقوله: "وكان يوسف هذا رجلًا شجاعًا عادلًا مقدامًا"؛ (وفَيَات الأعيان 7/ 113).
وقد أفاض ابن أبي زرع في وصف محاسن أمير المسلمين؛ حيث قال: "وكان رحمه الله - (يقصد ابن تاشفين) - بطلًا نجدًا شجاعًا حازمًا، مهابًا ضابطًا لملكه، متفقدًا الموالي من رعيته، حافظًا لبلاده وثغوره، مواظبًا على الجهاد، مؤيدًا منصورًا، جوَادًا كريمًا سخيًّا.. خُطِب به بالأندلس والمغرب على ألف منبر وتسعمائة منبر، وكان ملكه من مدينة أفراغة أول بلاد الإفرنج قاصية شرق بلاد الأندلس، إلى آخر عمل شنترين ولشبونة على البحر المحيط من بلاد غرب الأندلس.. وملك بالمغرب من بلاد العدوة من جزائر بني مزغنة (الجزائر العاصمة) إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى، إلى جبل الذهب من بلاد السودان"؛ (روض القرطاس، ص134).
ومما يستطاب به ما نقله الناصريُّ عن ابن الأثير في وصف أمير المسلمين بقولهم: "كان يوسف حسن السيرة خيِّرًا عادلًا، يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم ويحكمهم في بلاده، ويصدر عن رأيهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام"؛ (الاستقصا 2 /23).
إشارتها بتأسيس مراكش العاصمة:
وأجمعت الروايات التاريخيةُ على أن زينب النفزاوية كان لها دور كبير في تحفيز بناء عاصمة دولة المرابطين الجديدة، وهي (مدينة مراكش)؛ سواء عند وضع أسسها الأولى في عام (461هـ/1096م)، أو عند استكمالها بدءًا من عام (463هـ/1071م) على يد زوجها الجديد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وهي التي تمتَّعت بالطموح العارم.. حتى كان يوسف يذكر دومًا فضل زينب أمام الملأ من الناس، ويُثني عليها ثناءً حسنًا، فكان إذا اجتمع بأبناء عمومته يقول: "إنما فتح الله البلاد برأيها" على حد تعبير الناصري.
ويسوق لنا كلٌّ من ابن الأثير والناصري قصةً طريفة في فحواها، يُستدل من خلالها على رجاحة عقل زينب، وهي أن "ثلاثة نفرٍ اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتَّجِر بها، وتمنى الثاني عملًا يعمل فيه لأمير المسلمين ابن تاشفين، وتمنى الثالث زينب، فبلغت مقالتُهم أسماع أمير المسلمين، فأحضرهم بين يديه، وحقَّق أمنياتهم، ثم بعث بالثالث إلى زينب، فحبسته ثلاثة أيام بخيمة لا يذوق إلا طعامًا واحدًا، ثم سألته عن مأكله، فقال: هو طعام واحد، فقالت: فكذلك النساء، ثم أمرت له بكسوة ومال وصرَفتْه"؛ (الكامل في التاريخ 8/ 531، والاستقصا 2/23).
اختلاف المؤرخين في تحديد تاريخ وفاتها:
اختلفت المصادر في تحديد سنة وفاتها؛ حيث ذكر ابن أبي زرع أنها توفِّيت عام (464هـ/1071م)، في حين يتعارض ذلك مع ما أورده ابن عذارى؛ حيث قال: إنه في سنة (469هـ/1076م) أنجبت زينب هذه للأمير يوسف ولده الفضل، ولم يذكر تاريخ وفاتها، بينما أورد ابن الأثير بعض أخبارها في حوادث عام (500هـ/1006م)، في حين يرجِّح أحد الباحثين المحدثين أنها توفِّيت ما بين (472-1079م / 474-1081م)؛ (مليكة حميدي: المرأة المغربية، ص58).
وقد تركتْ دورًا حافلًا مليئًا بالمواقف المضيئة المشرقة، وقد خلفت بعد وفاتها تميمًا والفضل والمعز بالله؛ حيث كان تميم هذا من القادة العسكريين البارعين الذي ساعد أخاه (عليًّا) على اعتلاء ملك أبيهما، وقد اختاره يوسف لولاية عهده، وهو من أبناء زوجته "قمر"؛ مما يُفنِّد الادعاء القائل بأنها استبدَّت بأمور الحكم، فلو كانت كذلك لجعلت ولاية العهد في أبنائها، ويُبين هذا الموقف مدى كره المرابطين لإراقة الدماء، وعدم تكالُبهم على المُلك، كما يبرز حسن تربية المرأة العاقلة لأبنائها، وتعليمهم تعاليمَ الدين الإسلاميِّ الصحيح.
المصادر والمراجع:
♦ ابن الأثير (ت630هـ/1232م): أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني؛ الكامل في التاريخ؛ تحقيق د. عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1417هـ/ 1997م.
♦ ابن أبي زرع: أبو الحسن علي بن عبدالله (ت بعد 726هـ/ 1325م)؛ الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، المغرب 1972م.
♦ ابن خلدون (ت808هـ/ 1405م): عبدالرحمن بن محمد؛ العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومَن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر؛ تحقيق خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1408هـ / 1988م.
♦ ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م): أبو العباس خير الدين؛ وفَيَات الأعيان وأنباء أبناء الزمان؛ تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1994م.
♦ ابن عذارى (ت بعد 712هـ/1313م): أبو العباس أحمد بن محمد المراكشي؛ البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب؛ تحقيق ليفي بروفنسال وآخرين، دار الثقافة، بيروت، ط3، 1983م.
♦ الناصري (ت 1315هـ/ 1890م): شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد السلاوي؛ الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى؛ تحقيق جعفر الناصري، ومحمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء، المغرب، د.ت.
♦ مؤلف مجهول (ق12هـ/ 18م)؛ الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية؛ تحقيق د. سهيل زكار، وعبدالقادر زمامة، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، ط1، 1399هـ/ 1979م.
♦ الزركلي (ت 1396هـ/ 1976م): خير الدين بن محمود بن علي بن فارس؛ الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، مايو 2002م.
♦ حسن على حسن (دكتور)؛ الحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس، عصر المرابطين والموحدين، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1980م.
♦ عصمت عبداللطيف دندش (دكتور)؛ الأندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحدين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1408هـ/ 1988م.
♦ عصمت عبداللطيف دندش (دكتور)؛ أضواء جديدة على المرابطين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1991م.
♦ إبراهيم القادري بوتشيش (دكتور)؛ المغرب والأندلس في عصر المرابطين (المجتمع، الذهنيات، الأولياء)، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1993م.
♦ يوسف أشباخ؛ تاريخ الأندلس في عهد المرابطين؛ ترجمة محمد عبدالله عنان، مؤسسة الخانجي، القاهرة 1985م.
♦ مليكة حميدي؛ المرأة المغربية في عهد المرابطين، رسالة ماجستير، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الجزائر، 1423هـ/ 2002م.
♦ مصطفى القصري (دكتور)؛ نابهات من الغرب الإسلامي (زينب النفزاوية نموذجًا)، مقال منشور بمجلة المناهل، وزارة الشؤون الثقافية، الرباط، المغرب - العدد (44)، السنة (19)، محرم 1415هـ، يونيو 1994م.
♦ حامد محمد خليفة (دكتور)؛ يوسف بن تاشفين موحد المغرب وقائد المرابطين ومنقذ الأندلس من الصليبيين، دار القلم، دمشق، ط1، 1423هـ/ 2003م.
♦ حامد محمد خليفة (دكتور)؛ من أخبار المجاهدين انتصارات يوسف بن تاشفين، مكتبة الصحابة، الإمارات، الشارقة، 1425هـ / 2004م.